تونس: في تقرير لها عن واقع الاقتصاد التونسي.. وكالة "فيتش" تحذر تونس وتدعوها إلى تخصيص 12% من مواردها في الاستثمار الداخلي
- 14 ديسمبر 2023 / الأخبار / 178 / Hejer
حذرت وكالة "فيتش رايتنغ" العالمية في تقريرها عن تونس لسنة 2024، الصادر مؤخرا، من عدم قدرة الحكومة على توفير السيولة المطلوبة لإدارة نفقاتها الداخلية، ما لم تبادر إلى تخصيص نحو 12% من الناتج المحلي الإجمالي في التمويل المحلي في الفترة 2023-2024 لتغطية عجز ميزانيتها. وتعتبر "فيتش" أن قدرة السوق المحلية على استيعاب الاحتياجات التمويلية للقطاع العام غير كافية في حين يمثل التعرض للقطاع العام بالفعل أكثر من 20% من إجمالي أصول الجهاز المصرفي، ويصل إلى 40% لبعض البنوك العامة. وشددت الوكالة على أن القطاع لديه سيولة محدودة وأن قدرة البنوك على تمويل الحكومة تعتمد بشكل متزايد على مشتريات البنك المركزي التونسي من الدين العمومي في السوق الثانوية.
وأوضحت "فيتش" أن المناقشات السياسية جارية لتعديل وضع البنك المركزي للسماح بالتمويل المباشر للحكومة. وحذرت وكالة التصنيف:"من وجهة نظرنا، فإن ذلك من شأنه أن يعرض مصداقية البنك المركزي للخطر ويزيد الضغط على الأسعار وسعر الصرف".
أما بالنسبة للتمويل الخارجي، يعتقد الاقتصاديون في وكالة "فيتش" للتصنيف الائتماني أن الحكومة يمكن أن تحشد حوالي 2.5 مليار دولار (5٪ من الناتج المحلي الإجمالي) في عام 2024، بما في ذلك قرض إضافي بقيمة 500 مليون دولار من المملكة العربية السعودية (بعد تلقي 400 مليون دولار هذا العام)، و500 مليون دولار من AfreximBank وفق ما ورد في مشروع قانون المالية لعام 2024. وتدرج وكالة "فيتش" تمويلاً آخر بقيمة 500 مليون دولار في توقعاتها "بينما تتفاوض الحكومة على تمويل جديد مع الشركاء".
ولفتت الوكالة إلى أنه ليس لديها أي رؤية حول التقدم المحرز في هذه المفاوضات والأطراف المعنية. وخلصت "فيتش" إلى القول: "نعتقد أن الدعم المقدم من المملكة العربية السعودية، التي بدت في السابق تصر على التوصل إلى اتفاق مع صندوق النقد الدولي كشرط مسبق، يمكن أن يشير إلى آفاق أفضل قليلاً لتمويل تونس من الشركاء الخليجيين".
ويعكس تصنيف تونس “CCC-” تزايد عدم اليقين بشأن قدرة الحكومة على تلبية احتياجات تمويل الميزانية الكبيرة، والتي تمت مراجعتها في غياب التقدم في إصلاحات الدعم الرئيسية، وزيادة آجال استحقاق الديون. كما أنه من غير المرجح أن يتم التوصل إلى برنامج لصندوق النقد الدولي في عام 2024 مع مرونة أفضل من المتوقع للاحتياطيات الدولية على الرغم من محدودية التمويل الخارجي.
ارتفاع احتياجات التمويل
وتتوقع الوكالة أن تكون احتياجات التمويل المالي ثابتة عند أو أكثر من 16% من الناتج المحلي الإجمالي (أكثر من 8 مليارات دولار أمريكي) سنويًا في الفترة 2023/2025 مقارنة بنسبة 14% (حوالي 6 مليارات دولار أمريكي) في عام 2022، وأعلى بكثير من 2015/2019 متوسط 9%. ومن المتوقع أن يساهم ذلك في عجز مستمر في الميزانية، وزيادة آجال استحقاق الديون المحلية والخارجية، بنحو 10% من الناتج المحلي الإجمالي سنويا في الفترة 2024/2025.
وترتفع آجال الاستحقاق المحلية بسبب اعتماد الحكومة المتزايد على التمويل المحلي القصير الأجل للتعويض عن التمويل الخارجي الشحيح. وتعد آجال الاستحقاق الخارجية أعلى، ويرجع ذلك جزئيًا إلى مدفوعات سندات اليورو القادمة (850 مليون يورو في فيفري 2024، ومليار دولار أمريكي في جانفي 2025).
التمويل الخارجي محدود
وحسب تقرير الوكالة، في نهاية سبتمبر 2023، تلقت تونس 1.3 مليار دولار أمريكي (2.6٪ من الناتج المحلي الإجمالي) من التمويل الخارجي. ويقارن هذا بمبلغ 5.5 مليار دولار أمريكي (11% من الناتج المحلي الإجمالي) المنصوص عليه في خطة التمويل لعام 2023، بما في ذلك التزامات الشركاء الثنائية الكبيرة، والتي كانت في معظمها مشروطة ببرنامج صندوق النقد الدولي الذي لم يتحقق. ويتوقع خبراء الوكالة أن يصل التمويل الخارجي إلى حوالي 2 مليار دولار أمريكي بحلول نهاية العام. ولا نتوقع أن تتمكن تونس من الوصول إلى برنامج صندوق النقد الدولي في عام 2024، مما يحد من آفاق التمويل الخارجي.
وأشارت الوكالة في تقريرها المطول إلى محدودية التمويل الخارجي رغم ارتفاع الاحتياطي النقدي الأجنبي، حيث انتعش إلى 8.4 مليار دولار أمريكي في أكتوبر 2023 من 7.8 مليار دولار أمريكي في نهاية عام 2022، على الرغم من ضعف التمويل. وكان هذا مدعومًا جزئيًا بالانخفاض الكبير في عجز الحساب الجاري، المتوقع أن يصل إلى 4.2% من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2023 مقارنة بـ 8.6% في عام 2022. وساهمت عائدات السياحة والتحويلات المالية القوية في التحسن، لكن حسب الوكالة فإن تشديد شروط التمويل، انعكس على القطاع العام ما قيد واردات الشركات المملوكة للدولة.
وتتوقع الوكالة أن يتسع الدولار الكندي إلى حوالي5% من الناتج المحلي الإجمالي في الفترة 2024/2025، حيث سيساهم ذلك في تعافي الواردات إلى حد ما من مستويات 2023 المقيدة، مع استمرار ميزان الطاقة والغذاء في التأثير على الميزان التجاري، على الرغم من أن السياحة والتحويلات المالية ستظل قوية. ونتوقع أن تتدهور الاحتياطيات بشكل ملموس خلال الفترة 2024/2025، في غياب تمويل خارجي حكومي إضافي، حيث من المرجح أن تتم تلبية آجال الاستحقاق الحكومية الخارجية جزئيا عن طريق سحب الاحتياطيات.
كما لفتت الوكالة إلى أن الحكومة نفذت تدابير تتعلق بالإيرادات وتوصلت إلى اتفاق بشأن الأجور يقلل الضغوط المالية على فاتورة الأجور. ومع ذلك، فقد توقف التقدم نحو إصلاح نظام الدعم، وهو إجراء مسبق آخر لبرنامج صندوق النقد الدولي، وهناك معارضة سياسية واضحة لزيادة أسعار المواد الغذائية ومنتجات الطاقة الخاضعة للتنظيم. ونتيجة لذلك، توقفت المفاوضات مع صندوق النقد الدولي بشأن البرنامج، ولا نتوقع أن تتقدم الإصلاحات في عام 2024، في سياق الانتخابات الرئاسية.
كما قامت الحكومة بمراجعة ميزانية 2023، مما دفع العجز المتوقع إلى 6.8% من الناتج المحلي الإجمالي بعد أن كان الهدف الأولي تقليص العجز إلى 5%، وتتوقع أن يصل العجز المالي إلى 6.5%. حيث تتضمن الميزانية المعدلة بعض الاحتياطيات على النفقات، ومن ثم يتم توحيدها بوتيرة بطيئة إلى 6.4% في عام 2024 و5.7% في عام 2025.
ويعود العجز المرتفع حسب الوكالة العالمية في الغالب إلى زيادة الدعم والتحويلات إلى الشركات المملوكة للدولة، وزيادة تكلفة الديون مقارنة بالميزانية الأولية، التي تمت صياغتها بموجب افتراضات اتفاق مستوى الموظفين الذي تم التوصل إليه مع صندوق النقد الدولي العام الماضي. ويعكس ذلك غياب إصلاح نظام الدعم، والعجز الكبير في التمويل الخارجي مقارنة بخطة تمويل الميزانية، مما يزيد من اللجوء إلى التمويل المحلي الأكثر تكلفة.
ارتفاع الديون وتراجع النمو
وتوقعت الوكالة أن يرتفع الدين إلى حوالي 83% من الناتج المحلي الإجمالي في الفترة 2024/2025 من 80% في عام 2023، حيث سيظل التحسن المعتدل المتوقع في الرصيد الأولي والنمو المنخفض غير كافيين لخفض نسبة الدين. ولا يزال مسار الديون حساسا للغاية للصدمات المالية في ظل التعرض الشديد لتقلبات أسعار السلع الأساسية الدولية، وانخفاض قيمة العملة.
وأدت الإدارة المشددة لسوق الصرف الأجنبي وتنظيمه إلى إبقاء سعر الصرف مستقرا على نطاق واسع في الفترة 2022/2023، لكن ندرة التمويل الخارجي قد تزيد الضغط على العملة، كما أن الانخفاض الحاد في قيمة العملة من شأنه أن يزيد بشكل كبير من دين الناتج المحلي الإجمالي نظرا لارتفاع الديون بالعملة الأجنبية. وتوقعت الوكالة الأمريكية أن ينخفض نمو الناتج المحلي الإجمالي إلى 0.9% من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2023 من 2.4% في عام 2022، نتيجة الانكماش الحاد في إنتاج القمح البعلي، متأثرًا بنقص الأمطار. وتوقعت حدوث انتعاشة طفيفة إلى متوسط 1.5% في الفترة 2024/2025، وارتفاع معدلات التضخم، التي من المتوقع أن تبلغ في المتوسط 9.3% في نهاية عام 2023، وتزايد تأثير ذلك على القطاع الخاص بسبب ارتفاع احتياجات التمويل الحكومية.
وإجمالا يظل مسار الدين التونسي حساسًا للغاية للصدمات المالية، مثل انخفاض قيمة العملة أو ارتفاع أسعار السلع الأساسية الدولية. كما أن حصة ديون القطاع الرسمي تتطلب شروط تمويل مواتية. ومن المتوقع وفق هذه الإحصائيات والتقارير الصادرة عن العديد من الوكالات العالمية، أن يواجه الاقتصاد التونسي تحديات كبيرة في السنوات الثلاث المقبلة، تتمثل في النمو الضعيف والديون المرتفعة والمخاطر المالية. ولحل هذه التحديات، يشدد معظم خبراء الاقتصاد، على أن الحكومة التونسية بحاجة إلى اتخاذ إجراءات إصلاحية جوهرية، مثل إصلاح نظام الدعم وتعزيز جذب الاستثمار الأجنبي.
مصدر: https://www.assabahnews.tn